جذور التراث الإماراتي ورموزه
يشمل التراث الجوانب المادية والسلوكية والروحية المعنوية، والأدبية، والفنية. وليس بمقدورنا إعطاء أمثلة تغطي الجذور التراثية لكل تلك الجوانب، فسوف نركز على توضيح الأبعاد التاريخية، والجذور الأولى للتراث المادي، مع إشارات موجزة للجوانب الاجتماعية والدينية وذلك بعدة أسباب:
• صعوبة الإحاطة بكل تلك الجوانب في عرض موجز، لا سيما وان القصد من هذا العرض هو إعطاء خلفية لموضوع الدراسة وليس إجراء دراسة شاملة للجذور التاريخية لتراث الإمارات.
• صعوبة الحصول على أدلة تاريخية واضحة تتصل ببعض مجالات التراث، فلا نستطيع ان نضع أيدينا على أدلة تاريخية قاطعة توضح الجذور التاريخية لبعض العادات والمعتقدات، فالعادات هي أساساً أنماط السلوك الجماعي، والمعتقدات بطبعها مخبأة في الصدور ولا نستطيع ان نراها أو نلمسها. وبموت الإنسان وفنائه تفني معه سلوكياته ومعتقداته، إلا فيما ندر.
• إمكانية التعرف على جذور الجوانب المعنوية والسلوكية والعقدية والفنية والاجتماعية من التراث، أي ما يتصل بالعادات والتقاليد والمعتقدات والمهن، من خلال دراسة التراث المادي، فكثير من العادات والمعتقدات والطقوس الدينية والممارسات الفنية الخاصة بالحضارة الفرعونية المصرية تم التعرف عليها من طريق التراث المادين ويصدق القول نفسه عن الحضارة اليونانية (الإغريقية).
من حسن الطالع ان التنقيبات والاستكشافات الأثرية توسعت وانتشرت في إمارات الدولة، وصدرت عدة دراسات كشفت عن قدر بكير من المعلومات خلال العقدين الأخيرين، واغلب تلك الاستكشافات والدراسات تلقي المزيد من الأضواء على أوضاع التراث المادي خلال الفترات التاريخية المبكرة التي تمثل البدايات الأولى لتاريخ الإمارات، كما تساعد الباحثين على فهم الجذور الحضارية لمجتمع الإمارات المعاصر. وعلى الرغم من ان هذه المعلومات المتوفرة للباحثين تتصل أساساً بالتراث المادي، إلا أنها تشير بصورة غير مباشرة لبعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والدينية، وذلك لأن بمقدورها ان تعكس زوايا هامة من الواقع الحضاري لتلك المجتمعات التي تكشف بدورها النواة الأولى لمجتمع الإمارات.
نجد أوضاع التراث المادي الإماراتي قبل خمسة آلاف عام تقريباً تُشير إلى نتائج بعثة التنقيب الفرنسية في موقع هيلي ( كما وردت في تقرير عالم الآثار الفرنسي S.Cleuziou س.كليزيو المعلومات الهامة التي نذكر منها :
أولاً : أنه كانت هناك منطقة مخصصة للنشاطات الحرفية أشبه بفكرة المناطق الصناعية الموجودة في أطراف المدن حالياً، علماً بأن الحرف اليدوية هي صناعة ذلك الزمان.
ثانياً : ان المصنوعات اليدوية التي وجدت في هذا الموقع اشتملت : الآلات الحجرية المصنوعة من الأحجار البركانية،والأدوات البسيطة المصنوعة من المعادن لا سيما النحاس والبرونز، وقليل من الأواني الفخارية، والسلال والحصر، وآثار لأبراج دائرية ومربعة، ومقتنيات مصنوعة من الأصداف.
ثالثاً : أن الاستكشافات الأثرية دلت على وجود أفران لصناعة الفخار.
رابعاً : ان الأدلة الأثرية أشارت إلى وجود نباتات وحيوانات تعتبر مورداً طبيعياً للمواد الخام المستخدمة في الحرف والصناعات اليدوية، وهي أشجار النخيل والسمر والقاف التي مدت – وما تزال تمد – الحرفيين بالأخشاب، إضافة إلى الأغنام والمعز والأبقار وعدد قليل من الجمال، والتي شكلت مصدراً هاماً للجلود والوبر.
وبجانب الأفران الخاصة بصناعة الفخار، والتي دلت الاستكشافات الأثرية على وجودها في منطقة هيلي قبل خمسة آلاف سنة تقريباً، عرفت كذلك منطقة جبل حفيت صناعة النحاس حيث وجدت الأفران الخاصة بصهر هذا المعدن الثمين الذي أدى دوراً هاماً في تاريخ الإمارات وصلتها بالحضارات الأخرى، والهدف من الإشارة إلى صهر النحاس في جبل حفيت هو التنبيه إلى ان هذا الموقع الذي يمثل حلقة في سلسلة متصلة من المدن الواقعة في المناطق المعروفة باسم (عمان الساحل) و (عمان الداخل)، يشكل جزاً هاماً من المنطقة الثقافية Culture Zone المعروفة باسم حضارة ماجان التي اشتهرت بصهر وتصدير النحاس، حيث وصلتها بعثات وسفن الأمم الأخرى بقصد الحصول على ذلك المعدن الهام، وتأمين منطقة نفوذ لها في تلك المنطقة على امتداد فترات زمنية مختلفة، فقد شهدت الألفية الثالثة قبل الميلاد سلسلة من الحملات العسكرية استهدفت ماجان، وكانت هذه الحملات بقيادة سارجون Sargon وتواصلت بعده بقيادة ابنه مانشتوسو Manish Tush ، كما استمرت تحت قيادة حفيده نارم سن Naram Sin، وتفيد النقوش والمعلومات المكتوبة على الصخر بأن نارم سن شنّ حملات بحرية على ماجان وهزم حكامها وأخضع مدنها. وبعد ذلك تقدم نحو مناجم المعادن – النحاس – داخل الإمارات وعمان، كما حمل سفنه بحجارة من الصخور السوداء. ثم أبحر إلى أكاد Agad Akkad حيث استخدمت تلك الحجارة في نحت تمثال للإله Enlil حاميه الأيدي.
كشفت الدراسات الحديثة المبنية على التنقيبات الأثرية التي قامت به البعثات المختلفة في عدة مواقع في دولة الإمارات من بينها جبل حفيت وهيلي وأم النار ومليحة والدور، كشفت عن وجود عدد من المستوطنات البشرية التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد. ومن الأشياء الجديرة بالاعتبار ان سكان تلك المستوطنات عاشوا على نمط الاقتصاد الإعاشي المختلط Mixd Subsistence Economy الذي يجمع بين الرعي والزراعة وصيد الأسماك، كما أنهم امتهنوا التجارة، والنقل التجاري، وخاصة البحري، الأمر الذي مهد لاتصالهم اقتصادياً وثقافياً بالحضارات التي نشأت في المناطق المجاورة. وقد أشارت بعض الدراسات الخاصة بفترة (أم النار) إلى ذلك كله، ومنه :
(وتشير المخلفات الأثرية،ـ العائدة لتلك الفترة التاريخية إلى قيام حياة حضرية مستقرة، والى وجود تأثيرات حضارية خارجية قادمة من المناطق المجاورة، وخاصة من وادي السند، ووادي الرافدين وإيران، الأمر الذي يؤكد ان أهالي المنطقة قد عملوا في التجارة وكانوا وسطاء في نقل البضائع وإعادة تصديرها، وقد تفننوا في صناعة الفخار والأواني الحجرية، كما مارسوا حرف الزراعة والرعي وصيد الأسماك).
منقول
يشمل التراث الجوانب المادية والسلوكية والروحية المعنوية، والأدبية، والفنية. وليس بمقدورنا إعطاء أمثلة تغطي الجذور التراثية لكل تلك الجوانب، فسوف نركز على توضيح الأبعاد التاريخية، والجذور الأولى للتراث المادي، مع إشارات موجزة للجوانب الاجتماعية والدينية وذلك بعدة أسباب:
• صعوبة الإحاطة بكل تلك الجوانب في عرض موجز، لا سيما وان القصد من هذا العرض هو إعطاء خلفية لموضوع الدراسة وليس إجراء دراسة شاملة للجذور التاريخية لتراث الإمارات.
• صعوبة الحصول على أدلة تاريخية واضحة تتصل ببعض مجالات التراث، فلا نستطيع ان نضع أيدينا على أدلة تاريخية قاطعة توضح الجذور التاريخية لبعض العادات والمعتقدات، فالعادات هي أساساً أنماط السلوك الجماعي، والمعتقدات بطبعها مخبأة في الصدور ولا نستطيع ان نراها أو نلمسها. وبموت الإنسان وفنائه تفني معه سلوكياته ومعتقداته، إلا فيما ندر.
• إمكانية التعرف على جذور الجوانب المعنوية والسلوكية والعقدية والفنية والاجتماعية من التراث، أي ما يتصل بالعادات والتقاليد والمعتقدات والمهن، من خلال دراسة التراث المادي، فكثير من العادات والمعتقدات والطقوس الدينية والممارسات الفنية الخاصة بالحضارة الفرعونية المصرية تم التعرف عليها من طريق التراث المادين ويصدق القول نفسه عن الحضارة اليونانية (الإغريقية).
من حسن الطالع ان التنقيبات والاستكشافات الأثرية توسعت وانتشرت في إمارات الدولة، وصدرت عدة دراسات كشفت عن قدر بكير من المعلومات خلال العقدين الأخيرين، واغلب تلك الاستكشافات والدراسات تلقي المزيد من الأضواء على أوضاع التراث المادي خلال الفترات التاريخية المبكرة التي تمثل البدايات الأولى لتاريخ الإمارات، كما تساعد الباحثين على فهم الجذور الحضارية لمجتمع الإمارات المعاصر. وعلى الرغم من ان هذه المعلومات المتوفرة للباحثين تتصل أساساً بالتراث المادي، إلا أنها تشير بصورة غير مباشرة لبعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والدينية، وذلك لأن بمقدورها ان تعكس زوايا هامة من الواقع الحضاري لتلك المجتمعات التي تكشف بدورها النواة الأولى لمجتمع الإمارات.
نجد أوضاع التراث المادي الإماراتي قبل خمسة آلاف عام تقريباً تُشير إلى نتائج بعثة التنقيب الفرنسية في موقع هيلي ( كما وردت في تقرير عالم الآثار الفرنسي S.Cleuziou س.كليزيو المعلومات الهامة التي نذكر منها :
أولاً : أنه كانت هناك منطقة مخصصة للنشاطات الحرفية أشبه بفكرة المناطق الصناعية الموجودة في أطراف المدن حالياً، علماً بأن الحرف اليدوية هي صناعة ذلك الزمان.
ثانياً : ان المصنوعات اليدوية التي وجدت في هذا الموقع اشتملت : الآلات الحجرية المصنوعة من الأحجار البركانية،والأدوات البسيطة المصنوعة من المعادن لا سيما النحاس والبرونز، وقليل من الأواني الفخارية، والسلال والحصر، وآثار لأبراج دائرية ومربعة، ومقتنيات مصنوعة من الأصداف.
ثالثاً : أن الاستكشافات الأثرية دلت على وجود أفران لصناعة الفخار.
رابعاً : ان الأدلة الأثرية أشارت إلى وجود نباتات وحيوانات تعتبر مورداً طبيعياً للمواد الخام المستخدمة في الحرف والصناعات اليدوية، وهي أشجار النخيل والسمر والقاف التي مدت – وما تزال تمد – الحرفيين بالأخشاب، إضافة إلى الأغنام والمعز والأبقار وعدد قليل من الجمال، والتي شكلت مصدراً هاماً للجلود والوبر.
وبجانب الأفران الخاصة بصناعة الفخار، والتي دلت الاستكشافات الأثرية على وجودها في منطقة هيلي قبل خمسة آلاف سنة تقريباً، عرفت كذلك منطقة جبل حفيت صناعة النحاس حيث وجدت الأفران الخاصة بصهر هذا المعدن الثمين الذي أدى دوراً هاماً في تاريخ الإمارات وصلتها بالحضارات الأخرى، والهدف من الإشارة إلى صهر النحاس في جبل حفيت هو التنبيه إلى ان هذا الموقع الذي يمثل حلقة في سلسلة متصلة من المدن الواقعة في المناطق المعروفة باسم (عمان الساحل) و (عمان الداخل)، يشكل جزاً هاماً من المنطقة الثقافية Culture Zone المعروفة باسم حضارة ماجان التي اشتهرت بصهر وتصدير النحاس، حيث وصلتها بعثات وسفن الأمم الأخرى بقصد الحصول على ذلك المعدن الهام، وتأمين منطقة نفوذ لها في تلك المنطقة على امتداد فترات زمنية مختلفة، فقد شهدت الألفية الثالثة قبل الميلاد سلسلة من الحملات العسكرية استهدفت ماجان، وكانت هذه الحملات بقيادة سارجون Sargon وتواصلت بعده بقيادة ابنه مانشتوسو Manish Tush ، كما استمرت تحت قيادة حفيده نارم سن Naram Sin، وتفيد النقوش والمعلومات المكتوبة على الصخر بأن نارم سن شنّ حملات بحرية على ماجان وهزم حكامها وأخضع مدنها. وبعد ذلك تقدم نحو مناجم المعادن – النحاس – داخل الإمارات وعمان، كما حمل سفنه بحجارة من الصخور السوداء. ثم أبحر إلى أكاد Agad Akkad حيث استخدمت تلك الحجارة في نحت تمثال للإله Enlil حاميه الأيدي.
كشفت الدراسات الحديثة المبنية على التنقيبات الأثرية التي قامت به البعثات المختلفة في عدة مواقع في دولة الإمارات من بينها جبل حفيت وهيلي وأم النار ومليحة والدور، كشفت عن وجود عدد من المستوطنات البشرية التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد. ومن الأشياء الجديرة بالاعتبار ان سكان تلك المستوطنات عاشوا على نمط الاقتصاد الإعاشي المختلط Mixd Subsistence Economy الذي يجمع بين الرعي والزراعة وصيد الأسماك، كما أنهم امتهنوا التجارة، والنقل التجاري، وخاصة البحري، الأمر الذي مهد لاتصالهم اقتصادياً وثقافياً بالحضارات التي نشأت في المناطق المجاورة. وقد أشارت بعض الدراسات الخاصة بفترة (أم النار) إلى ذلك كله، ومنه :
(وتشير المخلفات الأثرية،ـ العائدة لتلك الفترة التاريخية إلى قيام حياة حضرية مستقرة، والى وجود تأثيرات حضارية خارجية قادمة من المناطق المجاورة، وخاصة من وادي السند، ووادي الرافدين وإيران، الأمر الذي يؤكد ان أهالي المنطقة قد عملوا في التجارة وكانوا وسطاء في نقل البضائع وإعادة تصديرها، وقد تفننوا في صناعة الفخار والأواني الحجرية، كما مارسوا حرف الزراعة والرعي وصيد الأسماك).
منقول